تنبيه الغافل والخابر بخطر التنصير على أبناء الجزائر - عبد الحميد العربي الجزائري

الموضوع في 'المنبر الإسلامي العام' بواسطة الأندلسي, بتاريخ ‏7 ديسمبر 2009.

  1. الأندلسي

    الأندلسي غفر الله له ولوالديه طاقم الإدارة

    تنبيه الغافل والخابر بخطر التنصير على أبناء الجزائر

    عبد الحميد العربي الجزائري


    ((أصل المقال محاضرة ألقيتها بذراع بن خدة بمنطقة تيزي وزو)).

    الجزء الأول


    إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] [آل عمران 102].

    [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] [النساء:1].

    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً] [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإنّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.

    إن الغافلين الذين يستبشرون بالهلاك والشّرك الذي عند النصارى، والبلاء الذي مَذِرت منه نفوسهم، ويهرعون إلى اعتناقه، ونشره بين أفراد الأمّة، ويبذلون النفس والنفيس لتمكينه من أفئدة التائهين؛ جُهالٌ بالحقّ الذي جاء به النّبي محمد صلى الله عليه وسلم، وغافلون عن العفن المدسوس في مراجع النصارى، وإلا لما غمسوا أنفسهم وانغمسوا في مستنقع الضلال والتيه.

    والصنف الآخر من المساكين الحيارى ممن تأثر بالأفلام البوليسية يتظاهر باعتناق دين النّصارى في الظّاهر، ويَعدّ صنيعَه قمة في الدّهاء، واستغفال الخلق، والضحك على القوم، والدافع له على هذه التمثيلية الشركية والدنيئة؛ الحصولُ على بعض المكاسب الدنياوية، كتأشيرة (سيمة) إلى بعض دول الغرب، أو مساعدة مالية تأتيه من خزينة الفتيكان، ولهذا يستحسن قبل البدء في ذكر خطر التنصير على المسلمين في شمال إفريقيا التي أنهكتها الفتن، وقصم ظهرها الفقر، وتسلطت عليها الأفكار المدمرة، حتى غدت حقل تجارب لكل ما هو دنيئ، أعرج على بعض النّقاط التي أرى أنها ضروريةٌ بين يدي المحاضرة، وسبيلٌ صحيح لفهم الأسباب التي جعلت بعض أبناء المسلمين يتساقطون في براثين النصارى تساقط الفراش في النار، فأقول وبالله التوفيق:


    باب:

    وجوب معرفة دين الإسلام من مصادره الأصلية.

    إنّ الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واضح وبيّن لمن حباه الله ويسره له يا أبناء الأمة، فقد قال تعالى في سورة القمر: [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ]، فيسر الله تعالى لفظه وتلاوته ومعناه للفهم والتدبر والعمل.

    وقال تعالى في سورة النساء: [يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]، وقال تعالى في سورة النحل: [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ].

    وقال النبي صلى الله وسلم من حديث النعمان بن بشير في الصحيحين: (الحلال بيّن والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات).

    وأخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة، ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، عَلِمه من علمه، وجَهِله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيتُ (في نسخة: نسيته)، فأعرف ما يعرف الرجلُ وفي نسخة: (فأعرفه كما يعرف الرجلُ الرجلَ) إذا غاب عنه فرآه فعرفه).

    و أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (برقم2892، كتاب الفتن)، والإمام أحمد في مسنده(5/341)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (برقم2183)، وأبو يعلى في مسنده (برقم6845)، وابن حبان في صحيحه (برقم6638)، والحاكم في المستدرك (4/487)، وغيرهم من طريق: عزرة بن ثابت، حدثنا علباء بن أحمر اليشكري عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال: صلّى بنا رسول الله الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتّى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتّى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمُنا أحفظُنا).

    وعن أبي ذر قال: (لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتقلب في السماء طائرٌ إلا ذكّرنا منه علما). صحيح بشواهده.

    إنَّ كفرَ النّصارى المبثوث في كتبهم، والضلال المنتشر في أسقاعهم لا يجوز أن يروج عليكم يا أبناء الجزائر، وأنتم بوابة الإسلام على الغرب، وشمسه التي أذابت السقيع الذي أثقل كاهلهم لعقود طويلة؛ فكُفر النّصارى وشركهم لا ينطلي إلا على من لا علم عنده ولا معرفة ولا اعتناء له بنصوص الكتاب والسّنة المطهرة، وأقوال الصّحابة والتابعين، ولا إلمام له بالتّاريخ، ولا خبرة عنده بالتناقضات والأباطيل التي ضمنها النصارى كتبهم، ولا بالختر الذي يكتمونه في صدورهم للمسلمين مصداقا لقوله تعالى: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ]، ولقوله تعالى: [وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]، ولهذا تسرب بعض عفن القوم وشرهم إلى ثلة من أبنائنا، وأهلكهم وأدخلهم في دوامة من الإضطراب والوساوس.

    عن عاصم الأحول قال: قال أبو العالية الرياحي رحمه الله: (تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإنّه الإسلام، ولا تَحرِفوا الصراط يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، والذي عليها أصحابه، فإنّا قد قرأنا القرآن من قبل أن يفعلوه خمس عشرة سنة، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء، قال: فحدثت به الحسن؛ فقال: صدق ونصح، وحدثته به حفصة بنت سرين فقالت: يا بني! أحدثت بهذا محمدا؟ قلت: لا، قالت: فحدث به محمدا).[ إسناده صحيح: أخرجه الآجري في الشريعة (1/300 برقم 19)، وعبد الرزاق في المصنف (برقم 20658)، وابن الوضاح في البدع (ص32)، واللالكائي في شرح الأصول (1/62 برقم17) وابن بطة في الكبرى (برقم 115)]

    وقالَ الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى، إمام أهل السنة بلا شك ولا مرية كما في إعلام الموقعين: (إنّما جاء خلاف من خالف؛ لقلة معرفتهم بما جاء عن النّبي).

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي له دراية كبيرة بما عليه النصارى من ضلال في مجموع الفتاوى (27/315-316): (فالحق يعرفه كلّ أحد، فإن الحق الذي بعث الله به الرُّسُل لا يشتبه بغيره على العارف، كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد).

    إن الشريعة الغراء يا شبابَ الأمةِ نصَّت بأتقن عبارة، وأرقى جملة على ما يعصم البشرية من الهلاك والدمار؛ من هلاك الشرك، والمعاصي والإنتحار، الذي صار ملاذ اليائسين من رحمة الغفار، والجاهلين بحجم جرم الإنتحار، والمقتافين سبيل النصارى والمادين من الشيوعيين الحمقى للخلاص من متاعب الدنيا، وأزمات الأكوان، وما علموا أنهم أوْبَقوا أنفسهم، وأردوها سوء العذاب، وأدخلوها سجنا سحيقا لا خروج منه إلا بمشيئة الرحمن.

    وأريد أن أسأل سؤالا أيها الإخوة الكرام: منذ أن دخلت فرنسا الصائلة الشمطاء إلى الجزائر الغراء في سنة 1830 ومكثت إلى سنة 1962 ميلادية، وهو عام الإستقلال، ولا يخفى عليكم الوضع المعيشي الذي كان عليه الشّعبُ الجزائري إبّان الإستعمار، أو الإستدمار على تعبير الأستاذ ملود قاسم رحمه الله، وخاصة سكان أقصى الجانوب والقبائل الكبرى، ورؤوس الجبال، حيث كان الوجوع أنيسهم، وفقر لباسهم، وخوف رداؤهم، ومع كل هذه المأسات الإنسانية التي كانت تطغى على حياة سكان أبناء الجزائر؛ فإنني لا أعلم لظاهرة الإنتحار فشوًا في منطقة القبائل أو غيرها من أقاليم البلاد، فلماذا الآن بعد أن أغدق الله بالنعم على الجزائر، وتحرر أبناؤها من ربقة الإستعمار، وبعد أن كثر المبشرون بالنصرانية؛ نجد أن جريمة الانتحار قد ذاع أمرها وانتشرت بين بعض الشباب، وأصبحت حديث الساعة؟.

    أليس الأمر يدعو إلى الريبة والحيرة؟ وإن كان وجود المبشرين بالنّار في هذه المناطق وغيرها من أقاليم الإسلام جعل العقلاء من أبناء المسلمين يتفطنون لخبث النصارى، وفي الوقت نفسه يدركون عظمة الإسلام وسماحته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الجواب الصحيح (1/85-87 ط/ دار العاصمة): (ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين؛ ظهور المعارضين له من أهل الإفك المبين...وذلك أنّ الحق إذا جُحِد وعُورض بالشبهات أقام الله تعالى له مما يحق به الحقَّ، ويُبطل به الباطل من الآيات البينات، بما يظهره من أدلة الحقّ وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة...وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن: الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول، ويموِّهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول، كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعدَ بظهوره على الدّين كله، بالبيان والحجة والبرهان، ثم بالسيف واليد والسنان)اهـ.

    إنّ كبيرة الانتحار تحتاج إلى جهود المخلصين للحد من انتشارها بين الشباب، وذلك بنشر فقه السّلف في باب القضاء والقدر، وتحفيظ الناس لكتاب ابن قيم الجوزية "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل"، بل أرى أن يكون ظمن المقرر المدرسي لطلاب المرحلة الثانوية، إذا أراد المجتمع أن يخفف إذا لم أقل يقضي على ظاهرة الانتحار التي شوّهت سمعة أهل البلد، والله المستعان.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض: (إنّ الشارع عليه الصلاة والسلام، نصّ على كلّ ما يعصم من المهالك نصّا قاطعا للعذر).

    إنّ الجهلَ بالإسلام وبقيمه العالية، ومبادئه السامية جرّ صنفا من أبنائنا إلى الجري وراء ضلال النصارى، وبثّ فيهم المعادة لأهل الحق من أهل السنة والجماعة، ونصبِ الخصومة لهم، مما جعلهم يعيشون حربا وهمية من خيال النصارى، ونسيج دعاة الاختلاق الذين لا يطيب لهم العيش إلا في حشّ الخلاف والفتن.

    قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (ص18): (والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدا؛ فمنها: الجهل به، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس، فإن من جهل شيئا عداه وعاد أهله).

    إن معرفة الحق يكون عن طريق الأنبياء والرُّسل، ومن اقتفى أثرهم من الصحابة والتابعين والعلماء المخلصين.

    أيها الحضور الكرام: لقد كان النّاس قاطبة على ملة التوحيد، وصفاء الفطرة، ونقاوة العقل، كما قال تعالى في سورة البقرة: [كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ].

    وقال تعالى في سورة يونس: [وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

    أي؛ كان النّاس على دين واحد، وملة واحدة، وشريعة من الحق فاختلفوا، فأرسل الله الأنبياء لكشف الخلاف وبيان محور الضلال الذي وقعت فيه البشرية حتى يبتعدوا عنه، ويجتنبوا أسبابه.

    فأنبياء الله صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا هم صفوته من خلقه، والواسطة بينه وبين عباده في تبليغ أمره ونهيه، وخبره وموعظته، قال تعالى في سورة النساء: [رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا].

    إن الدّين الذي بعث اللهُ به أنبياءَه من أولهم إلى آخرهم واحد؛ وهو الإسلام، الذي معناه الإستسلام لله تعالى في القول والعمل، وفي الظاهر والباطن، قال تعالى في سورة آل عمران: [إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ].

    ودعوة الأنبياء واحدة، وهي تقرير التوحيد في الأرض، ونفي الشرك والنّد عن الله تعالى، قال سبحانه في سورة الأنبياء: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ].

    ومفتاح دعوتهم التي يبادئون بها الخلق واحدة: [وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ].

    وقال تعالى: [وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ].

    وقال تعالى: [وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم].

    وقال تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ].

    ومنهج الأنبياء واحد قال تعالى:[شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ].

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح (1/81): (وكان الدّين الذي ارتضاه الله لنفسه هو دين الإسلام: الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرّسل، ولا يقبل من أحد دينا غيره: لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم، كما أخبر الله تعالى بذلك عن نوح ومن بعده إلى الحواريين)اهـ

    ومن هذه المقدمة أيها الإخوان الكرام نخلص إلى قاعدة متينة وهامة، وهي: لا يجوز التفريق بين رُسُل الله تعالى، وقد جمعهم الله، ووحّد أصل دعوتهم.

    قال تعالى: [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ]. وقد حكم الله تعالى بالكفر على من فرق بينه وبين رُسُله، فقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا].

    قال ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح (1/84): (ومن فرّق بين رسله، فآمن ببعضٍ وكفر ببعض كان كافرا)اهـ.

    وأعود إلى بعض شبابنا الذين استأنسوا بضلال النصارى، وأقول لهم: إن انغماسكم في دين النصارى الباطل يحتم عليكم الكفر بكل ما جاء به محمد صلى الله، ونبذ التوحيد الخالص الذي اجتمعت عليه دعوة جميع الأنبياء بما فيهم عيسى صلى، والوقوع في الكفر البواح بتفريقكم بين رسل الله.

    فهل يقبل ابنُ الجزائرِ الأبية أن يرمي بنفسه الصافية في حوامض الكفر والجاهلية بعد أن هداه الله إلى ملة الإسلام الطاهرة، وحباه واصطفاه بالهدى المحمدي عن كثير من الناس؟

    وهل يرضى في عصر التحديات أن يخون جهود أجداده في جهادهم للصليبية عهودا بعد عهود، لتبقى مِلَّة الإسلام طاهرة ساطعة، منيرة درب سُكان شمال إفريقيا؟.

    لا أظن من رضع من لبن هذا الوطن المركب من الإسلام والعروبة، والأعراف المتينة والموثوقة، ووقف بصدق على سيرة أجداده في بناء شمال إفريقيا يرضى لنفسه الشامخة أن تتملص من هذا الخير الوافر، وتستبدله بالخرافات والأكاذيب والأساطير الساذجة.

    أيها الحضور رعاكم الله من كل شبهة وبدعة، إن رسل الله جميعا مستسلمون لله تعالى، كما بين الله تعالى في كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه.

    فهذا نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم يخبر الله تعالى عنه في سورة يونس فيقول: [فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ].

    وهذا نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ يخبر الله تعالى عنه: [إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ]، وقال تعالى عنه:[مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ].

    وهذا نبي الله إسماعيل صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى عنه: [رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ].

    ووصف الله بالاستسلام أنبياء بني إسرائيل قاطبة فقال تعالى: [إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ].

    وقال تعالى عن يعقوب وبنيه صلوات ربي وسلامه عليهم: [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ].

    وقال تعالى عن لوط صلى الله عليه وسلم وأهله: [فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ]، وقال تعالى عن يوسف صلى الله عليه وسلم: [رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ].

    وقال تعالى عن موسى صلى الله عليه وسلم وقومه: [وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ].

    وقال السحرة بعد ما عرفوا الحق: [وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ].

    واعلموا يا أيها الحضور الكريم أنّ ما أمر الله به الأولين من الأنبياء والرسل، أمر به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:[وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ].

    وقال تعالى: [قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ].

    وقال تعالى: [قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ].

    وقال تعالى: [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ].

    وبعد هذه الجولة السريعة أيها الإخوة الكرام مع أنبياء الله، تبيّن لنا أن دين الله تعالى هو الإسلام، وأنه لا دين سواه، ولهذا أرشد الله جل جلاله نبيه محمدا أن يعتصم بهذا الأصل العظيم، وأن يأوي إلى هذا الركن المتين عند مجادلته لأهل الكتاب وغيرهم، ويفاصلهم على أساسه، فقال تعالى: [فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ].

    واتضح لنا كذلك أن العارف بتخاريف النصارى وأباطيلهم حريّ أن يقف على ضلال الفرق المشابهة لدين النصارى من المبتدعة.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح (1/98): (فبمعرفة حقيقة دين النصارى وبطلانه، يعرف بطلان ما يشبه أقوالهم، من أقوال أهل الإلحاد البدع.

    فإذا جاء نور الإيمان والقرآن أزهق الله به ما خالفه، كما قال تعالى:[ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا]، وأبان الله سبحانه وتعالى من فضائل الحق ومحاسنه ما كان به محقوقا).


    باب:

    الفاصل في الأديان هو التنوُّع في الشرائع:

    قال تعالى في سورة المائدة: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ].

    قال العلاّمة عبد الرحمن بن النّاصر السعدي رحمه الله في تفسيره: ([شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]: أي سبيلا وسنة، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان؛ فإنّها لا تختلف، فتُشرَّع في جميع الشرائع).

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء (2/847ـ849 ط: العقل): (ولما كان أصل الدين هو دين الإسلام واحد، وإنما تنوعت الشرائع...فدينهم واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يُعبد في كل وقت بما أمر في ذلك الوقت، وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت.

    وتنوعُ الشرائعِ في الناسخ والمنسوخ من المشروع، كتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد، مع أنه قد كان في وقتٍ يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة، كما أُمر المسلمون بذلك بعد الهجرة بضعة عشر شهرا، وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة، ويحرم استقبال الصخرة، فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته، فهكذا شرع الله تعالى لبني إسرائيل السّبت، ثم نسخ ذلك وشرع الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجبا إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت.

    فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ: لم يكن مسلما، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلما).

    أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى النّاس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد).

    وأخرج الإمام البخاري في صحيحه من طريق الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علاّت، ليس بيني وبينه نبي).

    فالأنبياء جميعا متفقون على توحيد الله تعالى ونفي الشريك عنه، يجمعهم الإسلام العام، من لدن نوح صلى الله عليه وسلم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الإسلام الخاص فهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هدى وبيان، وحلال وحرام، لقوله تعالى: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ].

    (فنسخ الله به جميع الرسالات والشرائع السابقة، فمن أدركه ولم يدخل في عقده كان من أهل النار، كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: "والذي نفسي محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت وهو لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".

    فتلك هي وحدة الدين التي تنتظم الشرائع جميعا في عقد الإسلام العام، ثم تختمها بما أكمل الله به الدين وأتمّ به النعمة، وهو الإسلام الخاص).[ انظر كتاب "دعوة التقريب بين الأديان" لصاحبه الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي (1/28).]

    والمتأمل في دين النصارى يجد أنه مخالف للإسلام الخاص والعام، ومبني على الشرك بالله والطعن فيه، وإيذاء المولى جلّ وعز بنسبة الولد إليه، والطعن في أنبيائه صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا.

    قال تعالى في سورة البقرة: [وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ]، وقال تعالى: [قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]، وقال تعالى:[يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً].

    وأخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق نافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان، وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولدٌ، فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا).

    و أخرجه البخاري (برقم 7378)، ومسلم (برقم 2804) من طريق سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحدٌ أصبرُ على أذًى سمعه من الله؛ يَدَّعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم).

    فهل يرضى الجزائري أن يترك التوحيد الخالص، والإسلام الخاص والمهيمن على الأديان ويعتنق دينا منسوخا ومليئا بالشرك والأباطيل وسبّ الرحمن؟.

    أخرجه الإمام البخاري (برقم4686) ومسلم (برقم2583) من طريق بريدة بن أبي بريدة، عن أبي بريدة، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله ليملي للظالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قال: ثم قرأ: [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ]).


    تنبيه هام.

    إنّ وصف الأديان المنسوخة والمحرفة من يهودية ونصرانية بـ(السماوية) باطل، وافتراء جلي وواضح، لما تحتوي هذه العبارة من تضليل، فكونها نزلت من السماء لا يبقي لها هذا الاسم بعد ما اعتراها التحريف، وامتدت إليها أيدي البشر بالحذف والإضافة، فوصفها بالأرضية أقرب إلى الحقيقة والبيان. وكذلك التعبير بـ (الأديان الثلاثة) عن الإسلام والنصرانية واليهودية؛ فيه غض من الإسلام، وبخص لحقه، وإشارة أنها متساوية.

    قال الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: (قد يسمع ما بين حين وآخر كلمة "الأديان الثلاثة" حتى يظن السامع أنه لا فرق بين هذه الأديان الثلاثة، كما أنه لا فرق بين المذاهب الأربعة، ولكن هذا خطأ عظيم، إنه لا يمكن أن يحاول التقارب بين اليهود والنصارى والمسلمين، إلا كمن يحاول أن يجمع بين الماء والنار).[ من خطبة الجمعة بتاريخ (15/1/1420) بواسطة كتاب " دعوة التقريب بين الأديان" (1/32).]




    باب:

    من هو عيسى صلى الله عليه وسلم؟

    بعث الله تعالى عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وروحا منه عيسى عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ آيةً للناس ورحمة منه، مسبوقا بالبشارات النبوية، والملائكة، فقد تقدمه يحي بن زكريا صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى [فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ]. وقالت الملائكة لأمه مريم: [إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ].

    وحين شرع عيسى عليه الصلاة والسلام في دعوة بني إسرائيل أيّده الله بروح القدس، فأجرى على يديه الآيات العظام، التي لا يعرض عن الإيمان بها إلا مطموس البصيرة، فقال تعالى: [وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين].


    يتبع......




    وكتبه/ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
     
  2. سندس

    سندس طاقم الإدارة إداري

    موضوع مهم جدا

    بارك الله فيك اخي و جزاك خيرا
     
  3. نور القمر

    نور القمر عضو فعال

    موضووع راائع وطرح مميز..
    بارك الله فيكم..
    لاحرمنا الله جديدكم..
    دمتم برعاايهـ المولى..
     
  4. الأندلسي

    الأندلسي غفر الله له ولوالديه طاقم الإدارة

    بارك الله فيكما أختاي
     

مشاركة هذه الصفحة